Sunday, May 17, 2009

من قتل يوسف ؟


كنت أراهم كلهم متشابهين وهم يتحركون داخل حارتنا الصغيرة ، وأقدامهم الغليظة تصنع إيقاعات منتظمة كلما ارتطمت بالأرض ، كانوا لا ينظرون إلينا أثناء مرورهم ، كنت أرغب بشدة في أن أرى وجوههم المختفية دائماً داخل خوذاتهم السوداء ، لم أر منهم قط سوى أعينهم التي تظهر من خلف زجاج الخوذة الغليظ
عندما مروا اليوم من أمام منزلنا سألت جهاد صديقي الأسمر الذي يسكن بجوارنا "كيف تبدوا وجوههم؟" سألت جهاد وأنا أنظر إليهم متأملاً أعينهم التي تحملق للاشئ
أجابني جهاد وهو يهمس
-قالت لي أمي ذات يوم أنهم جميعاً صلع الرؤوس
تصورت في داخلي أنهم لا يخلعون تلك الخوذات قط ، كيف تبدوا وجوههم ؟ بالتأكيد بشعة جداً حتى يخفونها طيلة الوقت بهذه الخوذات .. "هم من قتلوا يوسف " همس بها جهاد في أذني .. عرفت الآن لماذا كانت أمي تمنعني دائماً من الخروج من المنزل
لم أكن أعرف عن يوسف سوى أنه كان شقيقي الصغير .. كنت أظن أنه مات .. والآن عرفت من جهاد أنه لم يمت .. بل قتل .. قتله هؤلاء الرجال صلع الرؤوس
بعد أن عرفت ذلك أخذت أهتم ببندقيتي ، علي أن أحملها معي في كل مكان ، ربما أحتاج إليها إذا ما حاول أحد قتلي ، وربما أجد قاتل يوسف فأقتله
كنت ألعب مع جهاد في الحارة لعبة الحرب ، كنت دائماً أقوم بدور الجندي .. أضع على رأسي إناء معدنياً وأمسك ببندقيتي .. وكان جهاد يحمل الحجارة الصغيرة ويقذفها ناحيتي .. إذا ما أصاب الحجر الإناء المعدني أموت ، ومنذ ذلك اليوم رفضت أن ألعب دور الجندي ، فلن أستطيع أن أقتل يوسف ، فتخليت عن الإناء المعدني لجهاد فطلب مني جهاد البندقية ولكني رفضت "ولكن العربي لا يحمل بندقية ،عليك أن تعطيني إياها وتجمع الحجارة من على الأرض" قالها جهاد .. ورفضت .. ولم نلعب في ذلك اليوم
"لماذا لا يكون السلاح مع العربي في اللعبة ؟ أما يستطيع شراء واحداً ؟" سألت أمي .. فوضعت إصبعها على صدري وقالت "هنا سلاحك" لم أفهم شيئاً .. وأخذت أتحسس صدري .. ربما كانت هناك بندقية لا أراها .. ولكني لم أجد شيئاً .. فلم يكن في استطاعتي فتح صدري
مروا هذا اليوم أيضاً .. بنفس الإيقاعات المنتظمة .. كنت أريد أن أعرف .. من منهم قتل يوسف ؟ لم أكن أصدق أنهم جميعاً قتلوا يوسف .. بالتأكيد هو واحد فقط .. حاولت أن أعرفه .. ولكنهم كانوا جميعاً متشابهين
لم أكن أعرف كيف مات يوسف.. فنحن عندما نلعب لعبة الحرب كنت أطلق بندقيتي على جهاد وكان يموت .. ولكنه كان يقوم واقفاً بعدها فوراً .. لماذا لم ينهض يوسف ويقف ثانية ؟ ألم يعرف بعد أن اللعبة قد انتهت
قابلت رجلاً ذات يوم يرتدي نظارة ، كان أحد العمال الذين يقومون ببناء جدار ضخم خارج حارتنا ، كان جالساً أسفل شجرة كرز عجوز ، كنت ماراً أمامه فأشار إلي وابتسم ، وكنت أأكل عنباً فأعطيته بعضاً منه فربت على رأسي وابتسم
سألته لماذا يبني هذا الجدار الضخم .. لم يكن يعرف .. هم طلبوا منه أن يقوم بذلك العمل .. قال أنه جندياً .. كيف يكون جندياً وهو لا يرتدي خوذة ولا يحمل بندقية كما أنه ليس أصلع الرأس ؟ كان له شعر أسود خفيف .. ولكني ابتعدت عنه فوراً
"قابلت اليوم جندياً .. ولكنه بلا خوذة .. أعطيته بعض العنب" قلت لأمي .. ارتسم الحزن على وجهها أكثر ولم تتكلم .. لم أكن أعرف لماذا هي حزينة
وفي اليوم التالي كنت أمر بجوار العمال .. بحثت بعيني عن الجندي أسود الشعر .. ربما يعرف من قتل يوسف .. وجدته يمزج الرمال بالماء كما يمتزج عرقه بشعره .. كان يتصبب عرقاً .. رآني فأشار إلي .. كنت متردداً .. ولكني ذهبت ناحيته فقد كنت أحمل بندقيتي خلف ظهري
-ماهذه ؟ سألني الرجل
-بندقيتي
-ماذا تفعل بها؟
-لاشئ .. حتى أجد من قتل يوسف
-وحينما تجده ؟
-سأقتله
قلتها بتحد .. فابتسم الرجل ولم يرد .. ظننته سيخبرني من قتل يوسف .. ولكنه لم يقل شيئاً
أخذت أفكر .. لماذا قتل يوسف ؟ ماذا فعل كي يقتل ؟ فتذكرت لعبة الحرب حين كنت أقتل جهاد .. لم أكن أعرف لماذا أقتله .. ولكن كان علي قتله كي أنتصر
كبرت بسرعة .. ولا يزال العمال يبنون الجدار .. ولايزال الجنود يمرون من حارتنا بإيقاعاتهم المنتظمة وخوذاتهم القاتمة .. لايزالوا متشابهين
مات الكثيرين .. قتلهم الجنود ..لم أعرف السبب حتى الآن .. ولكني لم أعد أبحث عن قاتل يوسف.. فقد قتل الكثيرين بعده .. وسيقتل كذلك الكثيرين .. كما ذهبت اليوم ناحية العمال الذين يبنون الجدار فعرفت أن الجندي أسود الشعر قد مات .. ولايزال الجدار يبنى ولم يتوقف .. لذلك ليس هناك فائدة من معرفة من قتل يوسف ؟ جميعهم قتلوا يوسف .. وجميع من قُتلوا يوسف

Sunday, April 19, 2009

آخر كلام


خلصت الايام مش لازم أنام
مانا عشت ايام وسط الأموات
يلا يا بهوات هنقص حاجات
وحاجات وحاجات تفضل أحلام
دي حاجات هتفوت ملهاش فالموت
ولا أثر فيها أي كلام
وحاجات بتعيش وحاجات بتموت
وحاجات بتجيب وتشيل فحاجات

دي حاجات بتشيل فسنة وشهرين
بيبانوا سنين ويعدوا ساعات
وحاجات بتجيب بعدها شهادات
بتساوي ياناس تقلها ألوفات
ألوفات أهو فات جيشنا يا بهوات
هيصوا يا ستات زغرطوا يا بنات
رجاله راجعين ناوين لحاجات

خلصنا خلاص بطلنا يا ناس
بطلنا كمان جمع وخدمات
وكمان وكمان نلبس فحاجات
هم مهمات
مخله وحوارات
ما خلاص سلمنا العهدة الميري
ومعتش عساكر ولا ظباط
عايشين فحياتنا
هنروح بيتنا
ما خلاص خلصنا
لموا الشهادات
باي باي سلامات

Sunday, April 12, 2009

رغبة أخيرة


جئتـك سيـدتي في قصـرك
وعبرت جميع أسوار قلبك
وسقطـت أسيـراً في حبــك
وسأرضى مهما كان حكمك
أن أبقى في القصـر أميراً
أو لأموت
وأرجو موتي في حضنـك

Wednesday, March 4, 2009

الخائن الأول


لم أكن بعد قد إتخذت قراري الرابع ، لم تكن الصورة قد اكتملت بعد في ذهني ، فمفهوم الخيانة مهما تصورنا أننا قد استوعبناه ، فإنه يظل غامضاً .. متجدداً
كنت حديث الإلتحاق بالجيش لآداء الخدمة العسكرية ، كنت في فترة التدريب ، البداية ، إختمرت في ذهني الكثير من المعاني الموحية والخيالية ، لا بأس من تدريب عقلي أيضاً

كان مفهوم الخيانة في الجيش محدوداً ومختلفاً في ذات الوقت ، كان ينحصر عند القادة في "عدم خيانة الأمانة" أياً يكن مسمى الأمانة سواء كانت الوطن أو الغير

أما على مستوى الجنود فكان معنى الخيانة ينحصر في جملة رأيتها كثيراً مكتوبة على الجدران "كلب يحرسك ولا صاحب يحبسك" كان الجميع في حذر دائم

ذات ليلة باردة جداً ، في وقت متأخر من المفترض أن يكون الجميع نائماً ، كنت أجلس مع أحد زملاء العنبر في سريره ، كنا نطلق عليه اسم "الكابتن" ، كنا نتحدث وندخن فقط

دار الحديث عن كل شئ مدني ، الحياه والدفئ ، الأصدقاء ، كل شئ ، حدثني كثيراً عن خطيبته "رحاب" ، ذكر أنها جميلة ، كان يفتقدها كثيراً ، كان ينتظر اليوم الذي يرجع فيه إليها مدنياً ، كان يحلم بليلة زفافهما ، وفي الصباح أراني صورتهما معاً ، كانت جميلة فعلا

كانت مثل هذه الأحاديث المسائية تتكرر عامة ، كنت أعشق السهر ، لذا ستر الليل الكثير من الحكايات للكثير من الأشخاص ، كلها مختلفة ولكنها تتشابه في شئ واحد .. أنها مدنية

ذات مساء ممطر ، كان المكان بارد جدا ، ولكن هذا لم يمنعني من السهر ، أنا وثلاثة من الزملاء ، تحدثنا وتحدثنا ، ودار الحديث بعض الوقت عن العلاقات الخاصة ، وتحدث أحدهم عن فتاة جميلة يرافقها ، يعبث ، يمرح معها ، ذكر أنها مخطوبة ، لمته على مرافقة فتاه تخص آخر ، فأجابني "أنا حبيبها وهو خطيبها وهي حرة" منطق غريب

تحدث عنها وأطال الحديث ، ثم أخرج صورة لها ، تأملت الصورة ، كانت فتاة جميلة ولكني تذكرت أنني رأيتها من قبل .. ولكن التفصيلات أبت أن تستيقظ .. سألته عن اسمها فأجابني "رحاب" لم أزد بأي كلمة ، وبدأ المفهوم يتضح أكثر في ذهني واقتربت أكثر من قراري الرابع "أنني الخائن الأول" وكفى
-----------------------------
حكاية حقيقية وشخصية ولا يوجد تفسير

Monday, June 23, 2008

Simply


أسلحتهم النائمة استيقظت فجأة مع اقترابه ، تلعثمه ، ارتباكه ، ربما هي الأخرى كالكلاب التي طالما تحفزت كلما شمت رائحة عرقه والتي أيضاً تركض خلفه كلما ركض منها ، كان يقترب منهم وهو يتلفت حوله ، عرقاً غزيراً تصبب منه


اعتدلوا جميعاً فجأة ، كانوا أكثر من خمسة ، ارتبكوا هم أيضاً مع ارتباكه ، أشار أقربهم له بأن يتوقف ، فتوقف ، كان لا يزال يرتعش ، يرتبك ، تحسس قلبه بوهن وصدره يعلو ويهبط بقوه ، وهنا اندفع الجندي ناحيته ولطمه بكعب بندقيته بقوه على رأسه ، فسقط الرجل على الأرض وهو يتأوه

ابتعدوا عنه للحظة ، ثم اقترب منه جندي أخذ ينتزع ملابسه بحرص ، وهو عاجز عن الحركة ، كان يبحث عن متفجرات يخفيها الرجل في ملابسه ، وربما في حذائه . و تعرى الرجل أمامهم تماماً ، أيقن الجندي أنه كان على خطأ ، لا توجد أية متفجرات ، ولكن اقتراب الرجل منهم خائفاً جعلهم يظنون أنه يخفي شيئاً خطيراً ولا يوجد عندهم أخطر من قنبلة بشرية ، وأخذ الجنود يتناوبون ضرب الرجل بأقدامهم وقبضاتهم ، حتى مات

اقترب شاب يبتسم ، يطلق صفيراً منغوماً ، يتابع الموقف بلا مبالاة ، وقف بجوار أحد الجنود واضعاً يده على كتفه بود ، وربت على كتفه وهو يبتسم ، أخرج الشاب التبغ من علبته وأعطى الجندي منها ، فابتسم له الجندي بشغف وهو يأخذ منه السيجارة ، وضع الشاب يده
:على كتف الجندي وأخذه وتحرك إلى منتصف المكان تماماً وهو يسأله
ثقاب ؟
لا
لا عليك أنا معي
وتحسس الشاب جسده ، والجنود يتجمعون حوله منتظرون تبغه وثقابه ، ووضع الشاب يده داخل ملابسه ببساطة ، وفتح أزرار معطفه

.بهدوء وهو يبتسم لهم ، ولم يعد هناك ما يقال

Thursday, January 3, 2008

الكلمات المناسبة

ظللت طوال الليل أبحث عن الكلمات المناسبة ، الكلمات التي تناسب رجل يترك فتاة كان يعشقها بعد أن أكتشف انه لم يكن يحبها ، بل كان يشتهيها

هي الآن بين ذراعي ، نائمة ، تمنيت تلك اللحظة كثيراً ، رأيتها في أحلامي ، ولكني لم أكن أعلم أنها حين ستحدث سأكتشف أنني لم أكن أتمنى من تلك الفتاة سوى تلك اللحظة

كنت أشعر بنبض قلبها الصغير على جسدي ، وكان صوت أنفاسها الهادئة واضحاً ، في صمت تلك الليلة ، ليلة بلا قمر ، ليلة صامتة ، حزينة ، كنت أشفق عليها ، لذا كنت أبحث عن الكلمات المناسبة ، وفكرت أنه ماذا لو كنت تزوجتها وشعرت بما أشعر به الآن في ليلة زواجنا الأولى ، ماذا كنت سأفعل ، بالتأكيد كان الأمر سيكون أكثر صعوبة ، لن يتوقف على بعض كلمات مناسبة أقولها لها ، كنت أفكر بأنانية

كانت بين أحضاني تحلم ، فكرت في أنه لو كان للتفكير صوتاً ، لما استطعت أن أفكر في هذا في تلك اللحظة

غلبني النعاس وأنا أفكر في الكلمات المناسبة ، رأيتها في أحلامي تبكي ، ورأيتها تموت وأنا قاتلها ، أراها جريحة في معركة تارة ، وأراها تارة أخرى جارية في محفلي النسائي

استيقظت لأجدني وحيداً على السرير ، لم تكن بجواري ، يبدو أنها في مكان ما بالمنزل ، ربما كانت تجهز لنا طعام الإفطار ، عدت أتذكر ما
كنت أفكر فيه ليلة أمس ، وأخذت أبحث بسرعة عن الكلمات المناسبة
اعتدلت ، وجدت بجوار السرير أسفل سلسلة مفاتيحي ورقة صغيرة ، أخذتها ، كانت فيها كلمات بسيطة ، كلمات عجزت أنا عن إيجاد مثلها ، كلمات تناسب فتاة تقول لرجل أنها ظنت يوماً أنها لم تعشق غيره ، ولكنها صغيرة لم تستطع التفرقة بين الحب والاشتهاء إلا في تلك الليلة وأنهت كلماتها باعتذار وشكرتني على تلك الليلة الجميلة

طويت الورقة ، يبدو أنها قد رحلت عني للأبد ، تركتني حين وجدت هي الكلمات المناسبة ، شعرت في تلك اللحظة كم كنت مخدوعاً ، وكم سأفتقد فتاة صغيرة أحببتها ، فتاة لم تستطع أن تفرق بين الحب والاشتهاء

Tuesday, August 21, 2007

ومازلنا أصدقاء



قررت أن أنساها وأرحل ، فرغم كل شئ لازالت تعتبرني صديق ، مجرد صديق ، ألقت على مسامعي كلمات لها علاقة بالصداقة ، والأخوة ، وبعض الكلمات السخيفة الأخرى التي لا أتذكرها ، ولا يهمني بأن أتذكرها ، قالت أنها يعجبها صداقتنا ، وزعمت ــ كذباً ــ أن الصداقة مشاعر أسمى من الحب ، حاولت عبثاً إقناعي أن رفضها ليس انتقاصاً من شأني أو من رجولتي ، فعرفت أن هناك آخر ــ غيري ــ بالإضافة إلى أنها لا تريد أن تربط مصيرها بمصيري المجهول ، لا شقة واسعة ، ولا سيارة فارهة ، فقررت أن أغادرها وأرحل
ورحلت ، تركتها ، ومرت بضع أعوام ، وها أنذا قد أصبحت رجلاً ذو شأن ، كسبت مالاً كثيراً ، أصبحت أكثر وسامة ، وعندما عدت ،قابلتها ، ابتسمت ، وضحكت ، وغمزت ، وملأتني أكثر بالثقة وربما الغرور
تقابلنا كثيراً ــ بزعم الصداقة ــ وعرفت أنها قد انفصلت عنه ، فملئت بأكثر بالثقة ، وربما بالشماتة ،
:وقلت لها
ها أنا عدت ، بالمال ، بالقوة ، وأنت وحيدة ، رفضتني من قبل ، ورغم كل ذلك فأنا لازلت أحبك وأريدك
:فهزت رأسها ، ثم قالت
وها أنذا ، لازلت كما أنا ، وأنت عدت بالمال ، والقوة ، ورغم كل ذلك فأنا لازلت أمانع
ثم ألقت ذات الكلمات ، عن الصداقة ، والأخوة ، وفي تلك المرة هي التي رحلت عني

Monday, August 6, 2007

باقة ورد



كانت عيناي تتابع ضحكاتها وسط المدعوين ، رغم تيقني من أنها لا تكترث لوجودي ، فكرت أن ألملم جروحي وأرحل ، ولكن تذكرت أن رحيلي لن تعبأ به ، فمكثت مكاني أتابعها
لاحظت تطلعها المستمر له ، وابتساماتها التي تتحول إلى إيماءة بالرأس كلما وقعت عيناها علي وأنا أتابعها بلا ملل
لا تكفيني الإيماءات ، أريد الإبتسامات
تحرك ، مد يده إليها في شوق ، نهضت مع أنامله التي شعرت بها تعتصر قلبي مع يدها ، نهضا للرقص ، لم أكن أرى سواها في الحفل
كانت العروس تستعد لإلقاء باقة الزهور من خلف ظهرها ، وجدت حبيبتي تبتسم له مع تدافع المدعوات اللاتي تتمنى كل واحدة فيهن من داخلها أن تكون صاحبة المرمى الذي تدخل فيه الزهور
تتمنيت أن تكون هي صاحبة المرمى ، وأن أكون أنا الرامي ، لذا عندما خرجت الباقة من بين أنامل العروس تحلق فوق الجميع مثل طائر شارد يخفق ويضرب بجناحيه المكان ، تتابعه العيون بقوة ، اندفعت وكانت يدي هي الأقرب للطائر الأحمر ، لطمته بقبضتي بقوة ليندفع ناحية يدها ويكون لها
نهضت وسط ضحكات الجميع وأنا ابتسم ، تومئ لي برأسها بامتنان ، نظرت له ذات النظرة ، ابتسمت له ذات الابتسامة ، واتجهت ناحيته لتعطيه زهرة من الباقة ، زهرة رأيتها لحظة كنت أحلق معها في سماء المكان فوق روؤس المدعوين ، زهرة تمنيت أن تكون لي ، لكن قبضتي كانت أقوى من أن تمسك تلك الزهرة
تأبطت زراعه ، داعب زهورها بأنامله ، إبتسمت له بذات الابتسامة ، والتفتت إلي ، تحولت ابتسامتها إلى إيماءة بالرأس ، ابتسمت لها وعدت إلى مقعدي بين المدعوين اكتفي بمراقبة الإبتسامات ، ولا تنسى صاحبة الابتسامات أن تومئ لي برأسها كلما نظرت إليها

Thursday, July 19, 2007

وجوه جامدة


وجه جامد
الحاج سعيد


لم يعتاد الحاج سعيد على إظهار سعادته لأبناءه ، ظناً منه أن إظهار سعادته لهم ، أو إطراءه على عمل ما أحسنوا فيه ، من شأنه أن يظهره أمامهم في موقف الضعيف الذي تأثر بشئ ما ، لذا لم يتورع أبناءه في إطلاق عليه اسم " ريتشارد قلب الأسد " لما كان لقلبه من قوة وجمود ، حتى أن ابنه الأكبر فهمي كاد أن يقسم أن أبيه لم يحزن على وفاة شقيقه الأصغر كمال ، لولا أنه سمعه خلسه ليلاً يبكي بشدة ويتأوه بحرارة حتى أنه لم يصدق أن لأبيه غدد تفرز الدموع كبقية البشر


المشهد الأول
***
عاد فهمي من مدرسته وهو يحمل في يده شهادته التي تحمل الكثير من الدوائر الحمراء الشهيرة وعندما عرضها برعب على الحاج
:سعيد ثار وهاج عليه قائلاً
عندما كان أحمد زويل في سنك طلع الأول على مدرسته

: فرد عليه فهمي بكل بساطة وقد عرف بخفة ظله
عندما كان أحمد زويل في سنك أخذ جائزة نوبل

فثار عليه الحاج سعيد ولعنه ومنعه من تناول الطعام ليلتين ، ولولا ما سرقته له عائشة الشغالة من طعام لمات من الجوع




المشهد الثاني
***
فهمي وقد بدت عليه مخايل الرجولة ، يدخل المنزل في ثقة ، مبتسم ، يلتفت ناحيته الحاج سعيد الذي هو جالس أمام التلفاز لا يمل من
:تغيير محطاته ، يتردد فهمي قليلاً ثم يقول
بابا أنا نجحت وطلعت الأول على دفعتي
:يلتفت له الحاج سعيد بوجه عليه شبح ابتسامة تلاشت بسرعة تجاوزت سرعة الصوت ، ليحل محلها الجمود ، ثم يقول
مبروك

ويلتفت للتلفاز ويستمر في تحويل محطاته ويقول
:بعدم اكتراث
هو الماتش النهاردة الساعة كام؟



المشهد الثالث
***
الحاج سعيد أمام التلفاز يشاهد إحدى المباريات الهامة للنادي الأهلي فريقه المفضل ، ثم يصيح في سعادة
جووووووووول


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقائع القصة حقيقية ولكن الأسماء غير حقيقية

Thursday, July 5, 2007

الميول الجنسية للطفل

لم أتمالك نفسي من الضحك وأنا أقرأ في كتاب فرويد الشهير " تفسير الأحلام " عن نظريته في الميول الجنسية للطفل ، وتذكرت فوراً هجوم أحدهم ــ لا داعي لذكر اسمه ــ على هذه النظرية ، حيث اعتبر أن فرويد ما هو إلا " مخرف " كبير ، لأنه قال أن الطفل له ميول جنسية كالكبار تماماًَ ، بل ويسعى لإشباعها بطرقه الخاصة
ولا يظن البعض أن فرويد يقول أن الطفل شبقي مثلاً ، فالذي يقرأ نظريات فرويد عن عالم اللاوعي والأحلام يفهم المقصود من نظريته الميول الجنسية للطفل

ففرويد وضح أن اللاوعي عند الإنسان هو المكان الذي يختزن فيه الإنسان ميوله ورغباته المكبوتة لسبب أو لآخر ، سواء كانت تلك الأسباب دينية أو أخلاقية أو حتى مادية
فاللاوعي هنا هو العالم الخاص الذي يشبع فيه الإنسان غرائزه المكبوتة فالمقيد يحلم أنه يطير ، والجائع يحلم أنه أمام دجاجة مشوية بحجم هرم خوفو ، وهكذا
والإنسان سواء كان رجل أو امرأة أو طفل أو أياً كان نوعه أو عمره ، يحمل في لاوعيه غرائزه الفطرية ، والله سبحانه وتعالى قد خلق داخل كل انسان غريزة جنسية تجاه النوع الآخر ، فالذكر يميل للأنثى والعكس
لذا لا نتعجب إذا عرفنا أن للطفل ميول جنسية ، فالطفل ذكر أو أنثى حتى مرحلة البلوغ يميل للجنس ، وذلك من خلال لاوعيه ، أي أنه قد يشعر بالرغبة الجنسية ويشبعها دون أن يدري أو يعي تفسير لذلك

وقد حباني الله بنعمة ، وهي الذاكرة القوية ، فأنا أتذكر تفاصيل في طفولتي تؤكد هذه النظرية ــ ومحدش يضحك ــ وهذه التفاصيل التي تذكرتها عني في طفولتي هي ما جعلتني أضحك بشدة

فأتذكر وأنا لم أتجاوز الأربعة أو الخمسة أعوام شروعي الدائم في تجريد الدمى " العرائس " من ملابسهم ، فكنت أمسك بالدمية أجردها من ملابسها تماماً واستمتع بذلك ، دون أن أعي سبباً لتلك المتعة
كذلك بعض الأحلام الصغيرة التي أتذكرها وانا طفل ، فأستيقظ سعيداً بسبب شئ ما شعرت به ، ولا أعي ما هذا الشئ ، وما سر المتعة

وبالتأكيد هناك العديد من المواقف التي لن أقولها كلها لأن ما بها فيه افشاء لأسرار الأطفال
الطفل يسعد بالجسد العاري ، ويحب أن يراه ، والطفلة تحب جسدها وتندهش لتكوينه ، وفي غفلة من الجميع تسبر أغواره وتحاول فهمه ولا ننسى أن هذه كلها أفاعيل بريئة لأطفال

وخجل الطفل من النوع الآخر دليل على شعور داخلي باختلاف جنسي ما بين النوعين ، يتحتم عليه وجود بعض الخجل من النوع تجاه النوع الآخر ، والمدارس الإبتدائية المشتركة على الرغم من أنها تجمع النوعين معاً ، إلا أننا نلاحظ حذر الطفل الذكر من الطفلة الأنثى والعكس ، ولا يجلسون معاً ، لا تتعدى علاقاتهم التجاذب والتعامل العدائي كما لو كانوا فريقين متنافسين

ولا أحد يندهش لهذه الميول الجنسية عند الطفل ، لأن الطفل به الغريزة ككل مخلوق ، انسان أو حيوان ، وضعت فيه ، وهو لا يشعر بهذه الغريزة ويفهما إلا مع مرحلة البلوغ

والرجل والمرأة في النضوج كلاهما له ميول جنسية في لاوعيهما ، والدليل أن الرجل يميل دائماً لإبنته في حين أنه يعامل ابنه بغلظة ، والمرأة تميل لإبنها كذلك ، وتشعر من داخلها أن ابنها هو الرجل الذي خرج منها

ودليل آخر في إجابة هذا السؤال الذي أطرحه على القارئ.. ما سر غيرة الرجل على زوجته من ابنه؟

ونتابع هذا الطفل " الشقي " مع زوجته البلاستيكية

أظن بعد كده البنات هيتكسفوا من أخواتهم الصغيرين حتى ولو كانوا لسه بيرضعوا

و قد شعرت بالقلق عندما سمعت بعض الأقاويل تدعو إلى تدريس
الجنس في المدارس ــ وأنا لست ضد هذا ــ وسبب قلقي هو أن يقوم بهذه العملية التعليمية مجموعة من مدرسي التربية والتطعيم في مصر ، وقد يؤدي هذا إلى نتائج سلبية ، فيجب أن يقوم بذلك خبراء في السيكولوجية الإنسانية قبل أن يكونوا خبراء فسيولوجيين ، وذلك باعتبار أن الجنس يبدأ من الغريزة الفطرية النفسية للإنسان قبل أن يكون شعور جسدي ، والدليل على ذلك أن الطفل داخله الميول الجنسية قبل مرحلة النمو الجسدي ، وهذا يدل على أن الرغبة الجنسية نفسية قبل أن تكون جسدية
ولا احتاج لسرد كم من الحكايات المملة التي نعرفها جميعاً عن فشل العلاقات الجنسية بين الزوجين بسبب إنعدام الألفة أو الحب ، فالتوافق الجنسي الإيجابي يبدأ من المشاعر الإيجابية

لذا اتمنى ان يتوخى السادة الخبراء الحذر وهم يبحثون في تدريس الجنس في المدارس ، كي لا تتحول العملية الجنسية داخل وجدان الطفل ، من عملية مشاعر ، إلى عملية ميكانيكية آلية جسدية بحتة ، ومن ثم لن نختلف عن الحيوان الذي يمارس الجنس للتناسل فقط ، وليس لإزدياد الرابط والإئتلاف بين النوعين
وهناك بعض من أهل الكهف لايزالوا بيننا حتى هذه اللحظة ، لا يدركون أن العملية الجنسية هي عملية مشاعر ، وليست للإنجاب فقط ، فيمتنعون تماماً عن التعامل مع هذه العملية باعتبارها مشاركة ، ويتعاملون مع زوجاتهم كما لو كانوا جواري في محفلهم الليلي
ونهاية القول أقول أنني لم أكن أرغب في وضع دراسة عن هذا الموضوع ، بالقدر الذي كنت أرغب فيه في التعليق على نظرية فرويد ، ولكن خانتني الكلمات ، ولكن لا مانع في أن أضع هذه الدراسة في مدونتي ، فربما يتعثر فيها بعض من أهل الكهف ، فيأخذون النصيحة وربما يأخذونها ويعطوني في المقابل الحجارة