حديث إذاعي طويل
الابتسامة للجمال والجمال للنساء والجمال قلب ولسان وهما أجمل ما في الإنسان أعزائي المستمعين.. كلامنا عن الجمال في الحب لم ينتهي.. وفي حقيقة الأمر هو لن ينتهي.. ففلسفة الجمال فلسفة لا يمكن حصرها.. فقد فرد الفلاسفة والمفكرين علماً خاصاً للجمال.. ولم يضيعوا أوقاتهم عبثاً.. فمنذ المدينة الفاضلة عند أفلاطون ولم تحسم معاني الجمال
قلت تلك الكلمات بحماس ولكن كانت نظرات المخرج تتابعني بحنق بالغ.. فهو كان معترضاً على أن يكون موضوع تلك الحلقة عن الجمال أيضاً.. فقد استمر الحديث عن الجمال الحلقتين السابقتين للبرنامج.. وبسبب اقتراب القضية من قلوب المستمعين أصررت على أن يكون موضوع تلك الحلقة عن الجمال أيضاً.. رغم ثقتي الشديدة بأن الأمر لن يحسم إطلاقاً.. ولكني شئت أن أطرحه على أكبر مساحة من البرنامج كي أصل على الأقل إلى حل يرضيني أنا شخصياً
تحدثنا في الحلقتين السابقتين عن الجمال.. وطرح أحد ضيوف البرنامج الكرام قضية أنه " لا توجد بنات قبيحات " ودار الحديث حول هذه القضية ولم تحسم.. فقد طرحت القضية مرة أخرى مع اتصال الفتاة جميلة وتجربتها المؤلمة في هذا الصدد.. هل حقاً توجد بنات قبيحات؟ هل الحب مدرك بالعين أم بالروح؟
هذه الأسئلة التي طرحتها لم تكن هي الأسئلة الوحيدة التي تؤرقني.. فالقضية تحمل آلاف التساؤلات.. وكل سؤال يحمل آلاف الأجوبة.. هكذا هو الجمال دائماً.. يحمل المتعة.. والدهشة في آن واحد
مر وقت طويل.. يبدو أن المستمعين تلك الحلقة أكتفوا بالاستماع فقط.. أو أنها خطوط الهاتف اللعينة.. ولكن نظرات المخرج تلاحقني في شماتة.. إذا لم يتصل أحد ستكون كارثة
أعزائي المستمعين.. منتظرين اتصالاتكم وإيميلاتكم التي تثري برنامجنا وتفعله وتملأه بكل ما هو جديد ومثير.. وموضوع حلقة اليوم كماوضح لكم متعلق بالجمال والحب الروحي.. هل حقاً يوجد ما يسمى بالحب الروحي؟ هل لجمال الجسد يد في صنع علاقة حب بين طرفين؟ منتظرين آرائكم عن طريق اتصالاتكم وإيميلاتكم نستقبل مشاركتكم بالرأي أو عرض مشكلاتكم لطرحها ومحاولة حلها على البريد الأليكتروني للبرنامج
لم يتصل أحد بعد.. وقد طال حديثي حقاً.. أشرت للمخرج أن يتأكد من خطوط الهاتف.. قد تكون معطلة.. خاصة أن الجو ممطر بشكل فظيع تلك الليلة.. أصابني القلق حقاً.. لم أشعر بالقلق تجاه اتصالات الضيوف منذ عامين عندما بدأت البرنامج.. ولكن الآن.. البرنامج لاقى إقبالاً كبيراً.. لذا أعتقد أن المانع هي خطوط الهاتف
تلقينا إيميل من نضال.. بتقول فيه إن الرجال دائماً ما يهتمون بالفتاة الجميلة.. يبادلونها الحديث دائماً.. يحضرون لها زهور.. لكن الفتاة القبيحة لا تجد أي قبول ناحيتهم
قرأت بعض الإيميلات كمحاولة لمعالجة الفراغ الذي بالحلقة.. لا أحب قراءة الإيميلات.. الحلقة تشتعل بالاتصالات من الضيوف وخاصة الفتيات
إيميل آخر من ياسمين أنا حرة.. بتقول فيه إن الجمال مدرك عن طريق صاحبه.. يعني الجمال مينفعش حد يقولنا عليه لازم نحسه بنفسنا
بتقول هي لو حاسه انها جميله هتتصرف على هذا الاساس لكن لو حاسه انها وحشة و طوب الارض بيقولها العكس مش هتصدقهم.. يا ترى مين متفق مع نضال.. مين متفق مع ياسمين.. ده هنعرفه عن طريق إتصالاتكم ومشاركت
حاولت حث المستمعين ــ إن كانوا لا يزالوا هناك ــ على الاتصال.. يبدو أن قضية الجمال حسمت أخيراً وانا لم ألاحظ ذلك.. نظر المخرج في ساعة يده بحنق ثم أشار لأحدهم بأن يتصل من داخل الأستوديو.. لم يحدث هذا منذ عامين.. شعرت بالخجل.. رنين الهاتف
أفقت على رنين الهاتف الحمد لله لم يكن الاتصال من داخل الأستوديو.. تنفست الصعداء
: ومعانا تليفون نقول
آلو-
آلو-
صوت غليظ لرجل
أهلاً وسهلاً بحضرتك.. مشاركة رجالي المرة دي
إيه مشاركة رجالي دي؟ محسسني إنك بتتكلم عن جزمة رجالي.. حسن ألفاظك يا حضرة
آسف أقصد اتصال من رجل.. البرنامج بقالوا مدة طويلة ما اشتركش فيه صوت رجالي
علشان برنامج تافه
أفندم؟
زي ما سمعت.. الدنيا كلها مولعة وانت لسه بترغي في حاجات تافهة.. روح شوفلك حاجة تنفعك يا أخينا
صوت إغلاق السماعة بعنف.. دش بارد من أحد المستمعين غير الودودين على الإطلاق.. يبدو أن برنامجي لم يحصل على إعجابه.. أبصرت كل من في الأستوديو يضحكون بشدة
تلقينا اتصال أحد المشاركين مقلش اسمه.. واضح إنه بيهتم بجمال الألفاظ أكتر من الروح والجسد.. اتصال لطيف
:حاولت محو أثر ذلك الاتصال سريعاً قائلاً
تلقينا إيميل آخر من عزه راوية حكايات شهرزاد بتسأل سؤال لطيف.. تحب تتجوز واحدة وحشة ولا واحدة كدابة؟ سؤال جميل وذكي يعيد بينا التفكير فعلاً في مناطق إدراك الجمال.. روحاً وجسداً.. شاركونا الرأي
كررتها مراراً وانا أشعر بقلق واضح.. يبدو أني سأغير موضوع الحلقة مع بدايتها.. ستكون هزيمة منكرة لي.. و.. رنين الهاتف
:قلت بلهفة
آلو-
أخيراً-
صوت فتاة كما لو كانت تلقي حملاً ثقيلاً من على ظهرها
أنا بتصل بقالي ساعة.. الخطوط داخلة في بعض بشكل فظيع-
:أعتدلت في مكاني ظافراً ونظرت للمخرج بسخرية وانا أقول
آسف جداً إنتي عارفة الضغط فظيع على البرنامج-
قلتها بثقة كما لو كنت نسيت قلقي من أن لا أتلقى اتصالات
أنا فرحانة جداً إنك عملت حلقة كمان عن الموضوع ده.. متعرفش أنا حاولت أتصل قد إيه الحلقتين اللي فاتوا.. بس للأسف فشلت
طيب الحمد لله.. أصل موضوع الجمال ده كبير.. فكرك إنه يتحسم في حلقتين بس؟
قلتها وانا أنظر للمخرج كاتماً ضحكة
لا طبعاً ولا خمسين حلقة.. أنا فعلاً سعيدة إنك خليت موضوع الحلقة عن الجمال.. أنا كنت بتمنى إني أحكي تجربتي أعتقد إنها كفيلة بأنها تنهي الموضوع ده
للدرجة دي؟-
أعتقد كده-
أوك.. إتفضلي أحكي للمستمعين تجربتك.. كلنا آذان صاغية.. بس ياريت تعرفينا الأول بنفسك
- أنا عبير.. بكالوريوس علوم جامعة القاهرة.. مش عارفة أبدأ منين.. مش فاكرة حتى حكايتي بدأت إمتى بس أعتقد إن عمرها طويل قوي.. من يوم ما حسيت بجمالي
:ابتسمت وقلت
يااااه.. موضوعك قديم قوي.. اعتقد ان البنت بتحس بجمالها من لحظة خروجها للدنيا
:ضحكت وقالت
مش للدرجة دي-
:قلت
لأ للدرجة دي.. أنا بنت أختي حبيبة.. عندها حوالي أربع شهور.. لما ببوسها بحس إنها بتتكسف
:ضحكت بشدة قائلة
لا أنا حكايتي مش قديمة قوي كده.. أنا حكايتي بتبدأ مع دخولي مرحلة الثانوية العامة.. أنا الحمد لله أسرتي ميسورة.. فكان تعليمي أجنبي.. فمحستش بأي إختلاف بين حياة المدرسة وحياة الجامعة.. كان الإختلاف بين حياتي في إنجلترا وحياتي في مصر
كنتي عايشة في إنجلترا؟-
أيوه.. لحد ما بقى عندي 17 سنة.. نزلت مصر.. حسيت ساعتها بالغربة
:قلت مستفسراً
حسيتي بالغربة في مصر؟ انتي مش مصرية؟
:قالت
مصرية اسماً.. بس انا سافرت إنجلترا من وانا عندي 5 سنين.. يعني عمري كله بره مصر
أوك وإيه مظاهر الغربة؟-
هي مش غربة بالمعنى المفهوم.. بس هي حالة من الدهشة.. أنا في إنجلترا عمري ما شفت شاب بيعاكس بنت أبداً.. ده شفته في مصر
:ضحكت
إتعاكستي؟-
يوووه..كتير.. وبأدب وبقلة أدب.. لدرجة إني أحياناً كنت بجري من شباب وأرمي نفسي في عربيتي وأجري بسرعة.. كانوا زي النمل
انتي جميلة جداً على كده؟-
:صمتت لحظة ثم قالت بصوت خافت
انا عمري ما حسيت بده وانا في أوربا.. بس لما جيت مصر أدركت قد إيه أنا جميلة.. فعلاً بقيت بقف قدام المرايا أبص لنفسي كتير أتأمل نفسي بإعجاب
كويس.. الحمد لله-
:تنهدت قائلة
الحمد لله طبعاً.. بس مكنتش عارفة ساعتها.. الحمد لله على الجمال باعتباره نعمة؟ أم نقمة؟
اندهشت.. الحلقة السابقة فتاة تبكي لكونها غير جميلة.. الآن أخرى لا تعرف إذا كان جمالها نعمة أم نقمة.. تخيلت جميلة وهي تستمع الآن لكلمات عبير عن الجمال.. تخيلتها تحطم المذياع غيظاً
:سألتها
الجمال أعتقد إنه نعمة كبيرة.. وأكيد انتي أدركتي ده الحلقات اللي فاتت
أنا سمعت البنت اللي اسمها جميلة.. كان كلامها رغم إنه هزني قوي.. بس كنت بحسدها من جوايا
تحسديها؟ مين يحسد مين؟-
أنا أحسدها-
قالتها بتحدٍ
:قلت بغيظ
تحسديها على إيه؟-
شعرت بالندم لهذا القول.. تخيلت جميلة تبكي الآن في مرارة بسبب كلماتي.. إن كان مذياعها لا يزال سليماً
:قالت
أحسدها على أنها مش جميلة.. دي نعمة-
أنا احترت-
قلتها بحيرة حقاً
:قالت
أنا هفهمك.. أنا كانت بتطاردني نظرات الإعجاب من الشباب.. وكم فظيع من الاتصالات.. غيرت نمرة تليفوني أكتر من مرة.. مش عارفة بيجيبوها منين؟ مش عايشة مرتاحة خالص.. كل يوم والتاني واحد يتقدم عاوز يتجوزني.. وأنا رافضة فكرة جواز الصالونات دي تماماً.. أتجوز واحد إزاي معرفش حاجة عنه غير شكله..؟
جميل.. وجهة نظر عاقلة-
وعيشة فعلاً مقرفة.. مش عارفة أثق في حد.. كل كلمات الإعجاب بتتشابه عند الرجال.. النظرات واحدة.. حتى محاولاتهم الصبيانية للفت نظري إليهم.. كلها واحدة
:قلت وانا أمط شفتاي
ما أعتقدش.. أنا راجل وليه خبرتي الخاصة في المسألة دي؟
:قالت وهي تضحك
فعلاً.. دي نفس الكلمة اللي بيقولوها الرجالة على طول لما أقول لواحد فيهم أن الرجالة كلهم شبه بعض.. مش بقولك كلكوا شبه بعض
:ضحكت آنسة داليا خبيرة الصوت في الأستوديو.. ثم أومأت لي برأسها إيجاباً.. ابتسمت رغماً عني قائلاً
ها.. وإيه اللي مضايقك في ده؟-
أنا كنت زي جميلة بالظبط.. بدور على الحب الحقيقي اللي ينقلني لعالم جميل رقيق.. بس جميلة تقدر تفرق بين النظرات المعدودة حواليها مين بيحبها لشخصها ومين لأ.. لأنها مجردة من الجمال.. يوم ما هتلاقي الحب.. هيكون حب منزه.. وتجربتها مع الشاب المقنع مش نهاية العالم.. أنا لما كنت في أوربا مكنتش أعرف معنى الحب بالشكل ده خالص.. موضوع الشكل ده ملوش اعتبار نهائي.. الحب بيبقى راحة وإئتلاف..لكن في مصر الوضع إختلف تماماً.. أنا وسط آلاف من نظرات الإعجاب والإنبهار بشكلي.. أضمن منين مين بيحبني لشخصي ومين نظرته ليه مجرد رغبة منه في جمالي..؟
:قلت بضيق
انت موقفك أحسن.. تقدري تاخدي خبرة من تعدد النظرات دي.. تعرفي مين بيحبك ومين لأ
قلت لك كل النظرات تتشابه.. محدش في الرجالة بيبص أبعد من أنفه
ليه بس تخسّرينا جمهور كبير من الرجالة؟
للأسف الرجالة كلهم بيزعلوا من الحقيقة.. هم مش قدها
كفاية هجوم على اصحابنا.. خلينا في موضوعك
:ضحكت قائلة
أوك.. أكمل.. أنا لما دخلت الجامعة الموضوع زاد بشكل ينرفز ووصلت لمرحلة غيظ فظيع منهم.. شباب سطحيين على طول في عينيهم الانبهار الساذج بجمالي.. مش هممهم غير شكلي وبس.. وانا بتضايق جداً من كده.. أحب نظرات الانبهار دي تكون لشغلي.. لإجتهادي لتفوقي.. مش لشكلي
للأسف أعترف إني كراجل مايهمنيش من الست غير جمالها وأناقتها وخفة دمها.. أعمل إيه بتفوقها يعني؟
:قالت بنفاذ صبر وغيظ
للأسف دي نظرة الرجل الشرقي السطحية للمرأة.. مجرد جسم ملفوف ووجه جميل.. وأسطورة العيون الخضراء والشعر الأصفر الكلام ده الرجل الغربي ميعرفوش خالص.. الرجل الغربي بيقيس المرأة اللي قدامه بشكل يناسب عقله المتطور.. ذكائها وتفوقها وإيه اللي ممكن تقدمه ليه في حياته العملية.. مش إيه اللي ممكن تقدمه ليه على السرير..؟
:تنحنحت محذراً.. فاسترسلت
آسفة.. نسيت إني بتكلم في برنامج شرقي.. في أوربا الكلام في الحاجات دي عادي طالما بتتلكم بشكل محترم
معلش إحنا مش في أوربا-
أوك هحاول آخد بالي.. ما علينا شاءت الظروف وانا في سنة تانية كليه.. إني أقابل شاب لطيف مبيحاولش إنه يداري إنبهاره بجمالي لا حاضرة ولا حتى في الكافيتريا.. نظراته وكلماته كانت بتجري ورايا في كل مكان أروحه
نظراته إختلفت عن اللي قبله؟-
لأ-
طيب إيه اللي لفت نظرك ليه؟-
لفت نظري إنه إختلف شوية عن الرجل الشرقي.. هزم جواه التردد والخجل واتكلم معايا على طول.. أصلي مكنتش أعرف إن الرجالة بتتكسف إلا لما نزلت مصر
شعرت بالغيظ تجاه هذا السيل من الهجوم على الشاب المصري.. ولعنت في داخلي تلك النماذج الورقية التي واجهتها تلك الفتاة.. ثم تذكرت خجلي وترددي تجاه الفتاة التي أحببتها وأنا لم أزل طالباً في الجامعة.. فلعنت نفسي أيضاً
:استمرت قائلة
كان عمر هو الشاب الوحيد اللي كلامه بيعلق في زهني.. والشاب الوحيد اللي حلمت بيه كتير.. كان صورة الشاب الشرقي فعلاً زي ما رسمتها وأنا في إنجلترا.. أسمر شهم طويل.. مبتسم دايماً واثق في نفسه.. راكب الفرس الأبيض وشايلني قدامه وبيجري بيه.. هي دي الصورة اللي رسمتها.. مش شباب سطحيين مش هاممهم غير اللبس والشكل والعربية والموبايل.. شباب متردد خجل
:قلت بغيظ ثانية
يا عبير كفاية شتيمة في خلق الله معلش دي الحقيقة ما علينا.. أنا عشت مع الشاب ده فعلاً سنين عمري اللي ضاعت في أوربا.. حسيت فعلاً إني معنتش غريبة خلاص حسيت إن الشاب ده دخل حياتي علشان يحسسني إن لحياتي معنى
أوك كويس.. عرفيني بالشاب ده اللي رفع راس شبابنا-
أصبر للآخر-
:قلت ضاحكاً
مش مستريح لللآخر-
ولا أنا بصراحة-
قالتها بشكل زاد إشتياقي أكثر.. فإسلوب رويها لحكايتها يدل على ثقافة واسعة.. وقدرة فائقة على الكلام المنظم
:استرسلت قائلة
كان حبنا جميل.. حسيت إنه منزه عن كل الرغبات.. تمام زي ما قال أفلاطون.. حب مجرد.. حببني في الحياه.. والكلية.. كنت بروح كل يوم حتى في الأجازات.. علشان أشوفه وأقعد معاه.. وهو كمان.. كان بيقرب مني قوي بعيونه القوية الحادة
:ثم تنهدت قائلة
أنا نسيت المرايات كلها في وجوده.. كنت حاسة بروحي أكتر.. كنت شايفة جمالي في عينه.. مش محتاجة مرايات علشان أشوف نفسي
:صمتت لحظة ثم استرسلت قائلة
كان عمر دايماً يقولي إن أجمل حاجة فيه روحي الخفيفة.. وعقلي الناضج المتطور.. كان شايف جمالي بقلبه مش بعينه.. كان كلامه بيسعدني قوي
ها.. وإيه اللي اتغير؟-
هو لازم حاجة تتغير؟-
أكيد.. قصتك مش هتقف عند هذا الحد.. لازم حدث يقلب الأحداث كلها-
صمتت.. صمتت طويلاً شعرت أن كلماتي أصابت شيئاً ما داخلها.. فانتظرت صوتها.. ثم اتى صوتها يحمل زفرة حارة
:قالت
فعلاً هو حصل تغيير بسيط.. بس مش مجرد حدث قلب الأحداث.. هو بمعنى أدق مصيبة قلبت الأحداث
مصيبة؟-
قلتها وأنا قلبي يخفق قلقاً.. فحقاً الحياه لا تسير على وتيرة واحدة أبداً.. طالما أنها كانت مستقرة في البداية تنقلب.. وإن بدأت منقلبة تستقر في النهاية.. هذه هي الحياه
:سألتها بتردد
مصيبة إيه؟
توقعت أن تقول أن حبيبها قد لقى مصرعه.. وانتظرت الرد.. صمتت طويلاً ومر وقت كأنه دهر ثم
:قالت
أنا كل شغلي العملي في الكلية بيتم في المعمل.. وفي يوم قبل الامتحانات بشهر قعدت في المعمل لحد وقت متأخر.. كنت لوحدي.. بجهز نفسي للامتحانات العملي.. وأنا منهمكة في الشغل ما أخدتش بالي من إن الرف اللي فوقي عليه أزايز سوائل كيماوية.. رغم إنه محظور حط الأزايز بالشكل ده.. بس معرفتش الشغل من غير ذمة إلا لما جيت من إنجلترا.. كان وضع الأزايز يسهل وقوعها قوي.. خاصة أن وزنها خفيف.. من الآخر وقعت إزازة فوق راسي.. وللأسف كان حظي وحش.. كانت فيها حمض كبريتيك مركز.. كانوا كفيلين أنهم يضيعوا ملامحي تماماً
:قلت بذهول
حمض كبريتيك.. يا خبر-
أيوه.. وقعت وكان حظي أسوأ لما أغمى عليه.. أكل الحمض ملامحي وانا في غيبوبة.. محستش بنفسي إلا وانا في المستشفى وآلام فظيعة في وشي ورقبتي
لم أجد ما أقوله.. أكبر كارثة ممكن تواجه فتاة.. أن تفقد جمالها إقشعر بدني لهذه الحادثة الشنيعة.. كارثة حقاً
:إستمرت في حديثها
قعدت في المستشفى فترة طويلة.. كنت حاسة باللي حواليا.. مش عارفة إيه اللي حصل لي.. أو مقدار المصيبة.. كانت الأربطة مغطية وشي تماماً.. بس حاساها من عياط ماما جمبي.. والصمت المستمر التقيل اللي حواليه.. زارني ناس كتير حسيت بيهم وبمواساتهم ليه تماسكت.. كنت قوية.. كان اللي مصبرني ومقويني أكتر تواجد عمر جمبي.. كان بيزوني كل يوم.. لأ كتير كان بييجي مرتين في اليوم ومالي قلبي قوة.. كان بيأكلني بإيده.. ويقعد جمبي بالساعات
كويس قوي-
فعلاً.. بس للأسف فترات زياراته قلت.. بقت مرة في الأسبوع.. مرة في كل أسبوعين.. رجعت البيت بعد شهر.. قعدت حوالي شهر مسمعتش حتى صوته في التليفون.. مكنتش لسه عرفت حجم مصيبتي.. كل اللي جوايا كان صبر وقوة
:قلت مواسياً
جميل-
الحمد لله.. بعد تلات شهور من الحادثة عرفت حجم مصيبتي.. اليوم الموعود.. يوم فك الرباط من على وشي.. لف الجميع حواليا ماما وأخواتي.. بابا مسافر كالعاده.. وكان المهم إن عمر كنت حاساه واقف في الركن بيراقب بقلق الدكتور وهو بيفك الرباط
حبست أنفاسي وكأني أعيش تلك اللحظة معها
:استرسلت قائلة
رفع الدكتور الرباط من على وشي أخيراً.. محستش حتى بالهوا على وشي.. مش عارفة إن كنت مفتحة عيني ولا لأ.. جفني مكنش موجود
يا ربي
انا عرفت أنا فيه إيه من عياط ماما الفظيع.. وشهقة أخواتي.. وصمت عمر القاتل.. مستحملتش أكتر.. مديت أيدي على وشي محستش إلا بتجعدات وندوب فظيعة.. ووداني كانت شبه مش موجودة
يا ساتر-
:قالت متنهدة
دي الحقيقة والمصيبة للأسف.. جمالي اللي كنت بقف أتأمله ليل نهار قدام المرايا معتش ليه وجود.. والأسوأ إني ما عنتش بشوف كمان
فقدتي بصرك؟-
:سألتها ببطء.. فقالت
الدكتور قال إن دي حالة وقتية.. واحدة واحدة عيني هرجع أشوف بيها تاني.. بس أنا يومها إتمنيت إني أفضل كده للأبد.. معتقدش إني كنت هقدر أشوف شكلي على الحالة دي
لم أجد ما أقوله.. ما أسوأ أن يرى الإنسان نفسه على طبيعتها.. ماذا يمكن أن يحدث إن رأى الإنسان نفسه مشوهاً؟
:قالت
المهم.. أنا مكنتش محتاجة أشوف علشان أعرف حجم الكارثة.. كفاية صوت بكاء عمر المكتوم.. وصمت كل حد يشوفني.. وتحاشي إخواتي إنهم يشوفوني.. وصوت عياط ماما الفظيع اللي كنت بسمعه من على بعد
نظرت لما حولي في الأستوديو وجدتهم يقاومون دموعاً تقفز من أعينهم.. تحسست وجهي.. وجدته مبلل بالدموع كذلك
مرت أيام طويلة.. صوت عمر معنتش بسمعه.. بقى بيزورني كل فترة طويلة.. مكنتش قادرة على بعده.. كنت عارفة إني هظلمه لو اتجوزني على تشوهي ده.. بس هظلم نفسي أكتر لو سبته يروح لغيري.. مكنتش أقدر استغنى عنه أبداً.. لحد ما فيوم كلمني.. كان صوته بارد.. مفيهوش سخونة الحبيب اللي كنت أعرفها عنه.. صوت فيه تردد وتخاذل بكرهه.. كلمته وطلبت منه إنه ييجي ياخدني يوديني الكلية.. سكت كتير.. كان مش عاوزني أروح الكلية وانا بالحالة دي.. بس أنا أصريت
كنت سأفقد كلماتها مع دموعي.. ولكني عدت لأرض الواقع عند هذه النقطة
: استمرت في حكيها قائلة
وللأسف كان معاه حق.. لأول مرة هنزل من البيت من غير ما أحط مايك آب مكنش فيه جزء يصلح إني أحط ميك آب.. كان وشي كله ينفع للمراهم بس
ياللبشاعة.. عندما كانت تتحدث عن جمالها لم تصفه بتلك الدقة التي تصف فيها بشاعتها.. إنها تعذبني معها
:استرسلت قائلة
لما نزلت الكلية كنت متوقعة هجوم من اصحابي يرحبوا بيه تاني في وسطهم على الأقل يواسوني.. بس لما دخلت الكلية حسيت بصمت فظيع عمري ما حسيته.. كانت الدنيا حواليه دوشة على طول.. بقت صمت.. كل مكان أدخله يخيم عليه الصمت.. همسات همسات حواليه حسيت قد إيه شكلي بيعذب الآخرين.. طلبت من عمر إنه يروحني
ممكن يكون مجرد إحساس.. دي أول مرة.. محتاجة تتأقلمي على الوضع
لأ أنا اتأكدت.. عمر ما حاولش إنه حتى يواسيني.. رجعني البيت فوراً.. وقعد فترة كبيرة بعيد.. وأنا انطويت على نفسي في أوضتي ورفضت أقابل أي حد.. بس موضوع عمر هو اللي كان بيؤرقني.. هو عاوزني ولا لأ؟
بصراحة سؤال صعب-
:قالت بسخرية
ليه؟ مش قلنا إن الحب منزه عن الشكل.. أفلاطوني.. ملهوش علاقة بالحاجات اللي بتزوى وتزول.. الروح هي الباقية.. الجسم ممكن يتشوه بمية نار.. بس الروح مية النار متأثرش فيها
تتحدث بمنطق يقنع العقل.. لكن قلبي يرفض أن يستجيب.. لا يمكن أن يشعر نحوها بمشاعر غير الشفقة.. قالت كما لو كانت سمعت صوت أفكاري
مشاعر عمر تحولت من حب لشفقة.. للأسف كان زيه زي غيره.. بيحب شكلي وجمالي.. اسلوبه خدعني.. ويوم ما إتأكدت حسيت بمصيبتي فعلاً.. أنا معيطتش لما جمالي راح.. عيطت لما روحي راحت.. لما عرفت إن عمر مش بيحبني
عرفتي إزاي؟-
:قالت كلمته كتير وكان بيتهرب مني.. بس مع إصراري عرفت أواجهه.. سألته إذا كان لسه بيحبني..؟ سكت سكوت فظيع مؤلم.. وقال آه بيحبني.. بس مش هيقدر يكمل معايا لأن والدته رافضة جوازه منها.. وعاوزة تجوزه بنت خالته.. حجة قديمة شفتها كتير في الأفلام العربي البايخة.. قفلت السكة وعيطت بجنون.. وكرهت نفسي واتمنيت إني أكون طول عمري وحشة علشان مكنتش أحب واحد بتاع مظاهر زي عمر ده
كانت كلماتها تهزم أكثر نظرية الحب الروحي التي طالما دافعت عنها.. وحاربت من أجلها.. حقاً توجد بنات قبيحات
انت معايا؟-
آه طبعاً-
آسفة إني طولت عليك-
:قلت
ولا يهمك حكايتك تستحق الدراسة فعلاً-
حكايتي؟ أنا حكايتي لسه مخلصتش-
فعلاً؟-
:قالت بتهكم
حكايتي بتبتدي من اللحظة دي.. من لحظة ما سابني عمر.. من لحظة ما حسيت إني كنت عايشة على وهم كبير إسمه حب المشاعر.. أو الحب الروحي زي ما سميته انت.. حسيت ساعتها إن الحب بقى زي الآلة.. مادي مصمت.. معتش فلسفة الحب زي ما كان زمان بيخاطب مشاعر ووجدان.. بقى منطق الحب.. بيتعامل مع الأشياء الملموسة
حكايتك مجرد تجربة فردية.. صعب تعميمها-
قلت كلماتي الأخيرة دفاعاً عن الحب
تجربة فردية فعلاً.. بس أعتقد إن كل بنت لازم تعيد دراسة علاقتها بحبيبها.. وتشوف إذا كان بيحبها لشخصها.. أم لجمالها؟
ممكن الاتنين مع بعض-
ممكن.. بس لو الجمال في المرتبة الأولى تبقى مصيبة.. لأن مع مرور الوقت الجمال بيروح لحاله.. تفتكر إن اللي يبص تحت رجله بس ممكن يعيش سعيد..؟ يا دوب لحظة والجاية محدش يعرفها
كلامك مظبوط-
استسلمت لمنطقها الذي لم أجد بداً من أن أقتنع به
على العموم أكمل حكايتي-
صوتك بيقول إن لسه فيه كتير؟-
هو بقيتها غريب شوية.. أو اسيبك تحكم-
قلت بشكل استعراضي كي أوقظ المستمعين خوفاً من أن يكون قد غلبهم النعاس
مستمعينا.. زي ما سمعتم هذا الجزء من مأساة الفتاة عبير.. يحمل قدراً من الأسى وكذلك الغموض.. أرجو من سيادتكم الانتباه للجزء التالي منها.. بالتأكيد هذا الجزء سيحمل الكثير من الغرابة والغموض.. ابقوا معنا
قرأت في أعين أسرة البرنامج في الأستوديو الانتباه الشديد.. كنت أقرأ دائماً أثر حلقات البرنامج في أعين من حولي.. ويبدو انهم لا يحتاجون كلماتي لإثارة انتباههم.. فالحلقة على ما يبدو عليهم مثيرة حقاً
: قلت متحمسا
عبير.. سؤال.. انت ندمتي انك حبيتي عمر؟-
:صمتت لحظات.. ثم قالت
بصراحة انا مبحبش الندم.. بحب أبص قدام دايماً.. بس انا كنت مصدومة وكنت حاسة اني ضيعت عمري ومشاعري في المكان الغلط بس أقولك.. انا ندمت للحظات بس قررت إني لازم أهزم نفسي الضعيفة فوراً
وهزمتيها؟-
:ضحكت قائلة
ده بقى الجزء الجاي من حكايتي
أوك.. كلي آذان صاغية
بص انا اعتبرت ان الجزء اللي عدا من حياتي ده شئ.. والجزء اللي جاي شئ تاني.. معتش في حاجة يتبكي عليها.. فيه إيه ممكن تفقده البنت بعد جمالها؟
:قلت بحذر
أعتقد ان حياة البنت حاجتين.. شرفها وجمالها
أكيد.. بس الشرف للرجالة برده.. أما الجمال ده تاج البنت.. مكنتش حاسة بقيمته أبداً.. وانا في أوربا ما أخدتش بالي إني جميلة.. ولما حسيت بجمالي مقدرتوش.. بس حقيقي حسيت قد ايه بقيمته لما ضاع مني
قلوبنا معاكي.. في حاجات تانية كتير ممكن تبني عليها حياتك
:قالت بسرعة
أنا بعد الحادثة حسيت إني هضعف.. وأنا عمري ما ضعفت ومبحبش الضعف أبداً.. ولما فقدت عمر كنت حاسة إني تايهة وضايعة.. بس أنا كبريائي منعني من إني أوقف حياتي علشان واحد.. بس كنت كرهت وجودي في مصر.. وقررت إني أرجع إنجلترا تاني
ورجعتي؟-
فوراً.. رغم معارضة ماما.. بس أنا كان لازم أسيب مصر وأروح مكان أنسى فيه مصيبتي.. إللي أعتقدت إني ممكن أنساها.. بس لقيت برده الموضوع صعب.. التواصل مع الناس كان مستحيل وأنا ملثمة
:قلت متسائلاً
كنتي مغطية وشك؟-
آه عادي.. كنت حاطة نقاب-
تبقي مش ملثمة.. تبقي منقبة
:قالت بنفاذ صبر
النقاب مش مجرد حتة قماش على الوش.. النقاب لازم يبقى تعامل مش تظاهر.. وانا أخدت النقاب وسيلة لإخفاء تشوهي.. مش لإحياء طقوس دينية.. لأني سوري مش هتنقب وأنا لابسة جينز
أوك مش موضوعنا.. كملي
أنا عامة لما لقيت صعوبة في مواجهة الحياة بالشكل ده كنت هيأس.. بس قابلت دكتور هناك متخصص في جراحة التجميل قاللي انه ممكن يساعدني
:قلت مبتسماً
توقعت كده-
:ضحكت قائلة
أنا بقى متوقعتش.. هو عرض علي المساعدة وقال إنه ليه عمليات ناجحة كتير لناس كارثتهم أكبر.. (ضحكت) بصراحة مفيش حاجة أخاف عليها.. ما أعتقدش إنه هياخد حاجة من وشي.. مكنش فيه حاجة تنفع أصلاً
:ضحكت بشدة وضحكت هي أيضاً.. قلت
عاجباني روحك بجد-
الله يخليك.. لو كنت سمعتني من سنتين مكنتش هتلاقيني بنفس الروح دي.. لأني الحمد لله عملت تلات عمليات تجميل.. والحمد لله رجعت لحالتي لشكلي الطبيعي
:قلت بسعادة
الحمد لله بجد.. أسعدتيني وأسعدتي كل المستمعين-
ربنا يخليك-
رجعتي بقى زي الأول؟-
:قالت ضاحكة
بصراحة لأ.. الدكتور غش في ملامحي.. مناخيري بقت أصغر شوية.. وشكلي أتغير حبتين.. بس جمالي لسه موجود
:قلت ضاحكاً
طيب الحمد الله.. أبقي أشكري لينا الدكتور قوي-
إن شاء الله-
:قلت
ورجعتي مصر بعد العملية على طول؟
أول ما حسيت إني بقيت كويسة.. رجعت فوراً.. متخافش مكرهتش مصر.. أنا كنت راجعة كلي شوق ليها
:قلت بخبث
أسألك سؤال.. كنتي راجعة وفي دماغك عمر؟-
:قالت بتحد
طبعاً-
:سألتها بدهشة
راجعه علشانه؟-
انت سؤالك كان محدد.. في دماغي عمر آه.. راجعه علشانه لأ.. ومكنتش راجعه علشان أرجعله.. أو أوريله نفسي.. كنت راجعة علشان يفهم إني مش ضعيفة ومش بقف على حد
وعملتي إيه لما رجعتي؟-
بعد ما رجعت قررت إني أرجع لدراستي.. كانت آخر سنة بقى.. ورحت الجامعة.. ورجعت المعاكسات.. وتليفوني رجع يرن تاني بأرقام غريبة.. بعد الحادثة كان مبيرنش إلا للتعازي.. لكن دلوقتي رجع كلام الحب.. والأشعار.. والغزل في كل وقت
كنتي فرحانة طبعاً؟-
قالت بغيظ:
لأ طبعاً.. كنت متغاظة قوي.. كارهة التفاهة دي اللي الشباب فيها.. بيبصوا لشكل.. للحم زائل مصيره الأرض والتراب.. مصيره مية نار تاكله وتنهيه.. مش بيبصوا للمضمون.. لروح الإنسان اللي باقية.. اللي أقوى
معلش.. نظرة الانسان دايماً محدودة.. وبعدين جمال الشكل مهم برده-
:قالت بهدوء
مهم.. بس مش كل حاجة.. كان لازم يفهموا إن عبير اللي وشها اتشوه.. هي هي عبير الجميلة.. في جميع الحالات أنا.. مش حد غيري
معاكي حق.. بس برده غصب عنا بنبص للشكل.. لأن عيون الرجال أقوى من قلوبهم
:قالت
للأسف.. البنات بقى قلوبهم أقوى من عيونهم.. والدليل بقية حكايتي.. أنا لما عمر شافني أتصدم.. مش عارفة من الفرحة ولا من الدهشة بس هي صدمة.. ما انكرش اني قعدت معاه.. كان بيبين انه فرحان زي كل الناس.. بس انا كنت عارفة انه بيفكر
بيفكر في إيه؟-
بيفكر يرجعلي طبعاً-
وانت؟-
:قالت
مش عارفة إذا كنت لسه بحبه ولا لأ.. بس أنا كنت حاسة بإحساس غريب.. حاسة إني بكرهه وبحبه.. بحبه.. بس عاوزة انتقم منه.. مش منه بس.. من كل اللي زيه اللي مش بيعرفوا يعملوا حاجة غير انهم يبصوا لأجسام البنات ووشوشهم.. علشان كده لما كلمني إننا نرجع لبعض قفلت السكة في وشه.. وكرهته واحتقرته.. وقررت إني لازم أنتقم منه لأنه إنسان تافه اتخلى عني في وقت كنت محتاجاله قوي
تنتقمي إزاي؟-
أنا كنت أتصدمت مرتين.. مرة في عمر.. ومرة في الحب.. الحب مش روحي.. الحب بقى مجرد جسم جميل.. حسيت إن أي واحدة بتقولي إن حبيبها بيحبها.. عبيطة ومش فاهمة.. كنت مقتنعة إن كل البنات مش محبوبين.. مخدوعين
:قلت وأنا أنظر في ساعة يدي
طيب بسرعة علشان وقت البرنامج.. تنتقمي إزاي؟
أنتقم من حب الشكل ده.. ومن كل الرجالة دول.. ومن عمر على الأخص.. إني أتجوز واحد وحش.. قبيح.. دميم
:قلت بدهشة كده انتي بتنتقمي من نفسك
لأ.. أنا قررت إني أختار أسوأ واحد في شكله ومظهره علشان أتجوزه.. كده هضرب كل الرجالة السطحيين في اعتزازهم الزائف بأنفسهم.. وكمان أثبت لنفسي أولاً إن الجمال مش كل حاجة
وبعدين عملتي إيه؟-
دي بقى بداية قصتي مع سامح.. إنسان مرفوض من كل اللي في الكلية.. من الطلبة المجتهدين.. بس منطوي على نفسه.. لوحده دايماً.. شكله ومظهره مش حلو خالص.. ملامحه غليظة شوية
مططت شفتاي بحيرة لهذه الفتاه العجيبة
:استرسلت
أنا حطيت شبكتي لسامح.. وهو وقع على طول.. كان بيتحاشى تقربي منه في الأول.. حيرة ودهشة.. مش فاهم إشمعنى هو اللي بقعد معاه وبقرب منه.. كان مندهش.. وأنا كنت أصلاً مش متقبلاه.. بس كنت مصممة واتحديت نفسي
وبعدين؟-
واحدة واحدة لقيت نفسي بحب أقعد معاه.. كلامه ممتع وعاقل.. ودمه خفيف قوي.. بس الناس اللي باصين لشكله ومش فاهمينه.. ده في يوم مجاش الكلية حسيت بجد إني ناقصني حاجة كبيرة
غريبة؟-
لأ بجد.. إنسان بمعنى الكلمة.. حنين وعطوف قوي.. لقيت فيه نزاهة بجد.. أي نعم كنت بتنرفز منه لأنه مش واخد باله من جمالي خالص.. بس كنت فرحانة برده انه بيبصلي من جوايا مش من الغلاف اللي بره.. كان بيحترمني كأنثى ليه عقل وكيان.. مش مجرد جسم ملفوف وصدر ناهد وعيون واسعة.. لأ بجد أبهرني اسلوبه وعقليته وجمال روحه
كان كلامها يعيد بعقلي ووجداني إلى ما يسمى بالحب الروحي.. ووجدت نفسي أعود بتفكيري لنظرية لا توجد بنات قبيحات.. كنت أفكر
وبجد وقف جمبي قوي لحد ما اتخرجنا سوا-
:أفاقتني كلماتها من شرودي.. قلت
وبعدين؟-
بس.. أنا وسامح فرحنا كمان شهرين إن شاء الله.. هتيجي بقى
قالت كلماتها بحماس وضحكت بشدة من قلبها.. وضحكت معها وكنت أشعر براحة غريبة..وسعادة كبيرة
: قلت بحماس
هتتجوزوا.. مبروك.. بس انت قلتي في بداية كلامك إن حكايتك هتحسم الموضوع.. أعتقد إنك حطيتي بحكايتك آلاف من علامات الإستفهام
مليش دعوة يا عم.. المهم إني بقول لسامح.. يا رب يكون سامعني.. إني بحبه قوي.. وإني شايفاه أجمل راجل في الدنيا.. وإنه أحسن إنسان قابلته في حياتي.. بجد أنا بحسد نفسي
بجد أنا اللي بحسده عليكي وعلى الكلام ده.. ربنا يخليكوا لبعض
يارب-
أنا أقدر أقول إن ربنا بيكافئك على صبرك وإيمانك.. واللي حصل ليكي كان إختبار وصبرتي.. وربنا كافئك
ونعمة بالله.. أنا سامح بالنسبة لي أكبر مكافأة حصلت عليها في حياتي.. بس إيه رأيك بقى.. هل توجد بنات قبيحات؟
:ضحكت وفهمت ما ترمي إليه فقل
لا لا.. سيبي الإجابة دي للمستمعين.. بس أنا هغير صيغة السؤال المرة دي.. هيبقى كده.. هل يوجد رجال قبيحون؟ هل توجد بنات قبيحات؟
:ضحكت وقالت
لأ.. نقول.. هل يوجد إنسان قبيح؟
وانتهت الحلقة على هذا الشكل.. وتلقيت من الجميع كلمات التهنئة على حلقة مثيرة من فتاة غريبة.. ولكن هل تعتقدون إن قضية الجمال تنتهي عند هذا الحد؟ هل يعجز كل فلاسفة الإنسانية عن حسم تلك القضية.. وأنجح أنا؟.. لا أعتقد.. هل الحب فلسفة وشعور؟ أم هو منطق متبع؟ هل يوجد ما يسمى بالحب الروحي؟ حقاً أمطار من علامات الإستفهام.. لا توجد إجابات عندي.. هل توجد عندكم؟.. عند البحث عن الإجابة لن ننظر لشكل السؤال.. أعتقد أننا سننظر للمضمون.. لأن شكله أعتقد أنه لا يحمل إجابته نستقبل كل مشكلاتكم وآرائكم على البريد الأليكتروني
hadeeth_ezaay@hotmail.com